بر الوالدين هو أعظم ما يكون من صلة الرحم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه". متفق عليه(3).
وهذا جزاء معجّل لصاحبه في الدنيا؛ إذ يبسط له في رزقه ويؤخر له في أجله وعمره، وهذا غير الجزاء الأخروي المدخر له في الآخرة.
لقد عظم الله تعالى شأن الوالدين؛ حتى أنه سبحانه نهى الابن عن أن يتلفظ عليهما بأدنى كلمة تضجر، كما قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً).
وحتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل صلة الرجل أهل ود أبيه من أبر البر فقد جاء في صحيح مسلم(3) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه".
وفي المقابل حذّر الإسلام من عقوق الوالدين، بل جعل ذلك من أكبر كبائر الذنوب، فقد جاء في الصحيحين(4) عن أبي بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟! ثلاثا. قلنا بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس، فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور. فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت".
وفي صحيح مسلم(5) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه. قيل: من يا رسول الله؟! قال: من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة".
قال أهل العلم: وفي الحديث دليل على أن بر الوالدين عند كبرهما وضعفهما بالخدمة أو النفقة أو غير ذلك سبب لدخول الجنة، فمن قصر في ذلك أرغم الله أنفه.
عباد الله:
إن بعض الناس لا يبالي بشأن بر والديه، بل تجده إما عاقاً لهما في القول أو الفعل، أو تجده معرضاً عنهما.
ألا فليُعلم أن الإعراض عن الوالدين، حتى ولو لم يسئ إليها، هو في الحقيقة عقوق لهما.
أخرج الطبراني في المعجم الصغير(6): "أنّ رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن أبي أخذ مالي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :اذهب فائتني ه، فأتاه فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله يقرئك السلام ويقول: إذا جاءك الشيخ فسله عن شيء قاله في نفسه، ما سمعته أذناه، فلما جاء الشيخ سأله النبي صلى الله عليه وسلم: ما بال ابنك يشكوك أتريد أن تأخذ ماله؟ فقال: سله يا رسول الله؛ هل أنفقه إلا على عماته، أو خالاته، أو على نفسي؟!.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعنا من هذا، وأخبرنا عن شيء قلته في نفسك ما سمعته أذناك.
فقال: والله، يا رسول الله، ما يزال الله يزيدنا بك يقيناً. لقد قلت في نفسي شيئا ما سمعته أذناي قال: قل وأنا أسمع، قال: قلت:
غذوتك مولوداً ومنتك يافعا تعل بما أجني عليك وتنهل
إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا ساهراً أتململ
كأني أنا المطروق دونك بالذي طرقت به دوني فعيناي تهمل
تخاف الردى نفسي عليك وإنها لتعلم أن الموت وقت مؤجل
فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما فيك كنت أؤمّل
جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل
فليتك إذ لم ترع حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعل
تراه معدا للخلاف كأنه بردّ على أهل الصواب موكل
قال: فعند ذلك أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بتلابيب ابنه، وقال: أنت ومالك لأبيك".